البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 301 - الجزء 1

  بهذه الصفة لأنها من أخص صفاته وألزمها {وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ} أي وسوسته بأن القوم قد غلبوا على الماء وكيده بقوله: ليس لكم بهؤلاء القوم طاقة {وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ} أي ثقة بالنصر والظفر والاستيلاء على الماء {وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ١١} أي بالصبر الذي أفرغه عليهم حتى ثبتوا لعدوهم على الرمل الذي تلبد.

  قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ} أي معينكم {فَثَبِّتُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أي فثبتوهم بحضوركم معهم في الحرب وبشراكم لهم بالنصر والغلبة وأنه لا بأس عليكم من عدوكم {سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} يعني الخوف وذلك أن الله سبحانه ألقى في قلوب المشركين الخوف حتى تخاذلوا فيما بينهم وكثر الله المسلمين في أعينهم، وإنما قال ذلك لهم ليثبتوا به الذين آمنوا {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} ويجوز أن يكون فوق صلة والتقدير فاضربوا الأعناق، وروينا عن رسول الله ÷ أنه قال: «إني لم أبعث لأعذب بعذاب الله إنما بعثت لضرب الرقاب وشد الوثاق {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ١٢} يعني المفاصل ومن أطراف الأيدي والرجل والبنان أطراف أصابع اليدين والرجلين.

  قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا} والزحف الدنو قليلاً قليلاً {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ١٥} يعني به الهزيمة منهم والانصراف عنهم وذلك مخصوص وذلك أن الله سبحانه وتعالى أوجب في أول الإسلام على كل رجل من المسلمين أن يقف بإزاء عشرة من المشركين لا يحل له بعد اللقاء أن ينهزم منهم وذلك بقوله: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا