سورة الأنفال
  أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}[الأنفال: ٦٥]، ثم نسخ ذلك منهم بعد كثرتهم وامتداد شوكتهم فأوجب الله على كل رجل من المسلمين لاقى المشركين محارباً أن يقف بإزاء رجلين بعد أن كان عليه أن يقف بإزاء عشرة تخفيفاً ورخصة، وذلك بقوله تعالى: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا} أي بدخول من لا بصيرة له في الإسلام {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} فصار حتماً على من لاقى العدو من المشركين زحفاً أن لا ينهزم مع القوة على المصابرة حتى يقضي الله من أمره ما يشاء فإن الهزيمة مع العجز عن المصابرة فإن قاتله أكثر من مثليه جاز أن يولي عنه وإن قاتله مثلاه فما دون فإنه حرام عليه أن يولي عنه منهزماً إلا على أحد صفتين إما أن يتحرف لقتال وهو أن يهرب ليطلب أو يفر ليكر فإن الحرب كر وفر وهرب وطلب، وإما أن يتحيز إلى فئة أخرى قريبة منه أو بعيدة ليقاتل معها وذلك ظاهر في قوله: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} والآية على العموم.
  قوله تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} فلم تقتلوهم بقوتكم وسلاحكم ولكن الله قتلهم بخذلانهم وقبض أرواحهم {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وقيل إن رسول الله ÷ قبض يوم بدر قبضة من تراب رماهم بها وقال: «شاهت الوجوه» فألقاها في أبصارهم حتى شغلهم بأنفسهم وأظفر المسلمين بهم فهو معنى قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
  قوله تعالى: {.. إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} أي النصر وهذا خطاب للمشركين لأنهم استنصروا يوم بدر بأنهم قالوا: اللهم أقطعنا للرحم وأظلمنا لصاحبه فانصرنا عليه فنصر الله نبيئه والمسلمين عليهم.