البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الأنفال

صفحة 306 - الجزء 1

  قوله تعالى: {.. وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والمكاء الصفير ومنه قال عنترة:

  وحليل غانية تركت مجدلاً ... تمكو فريصته كشدق الأعلم

  أي تصفر بالريح والتصدية التصفيق ومنه قول عمرو بن الأطباية:

  وصلوا جميعاً لهم ضجة ... مكاء لدى البيت بالتصدية

  فإن قيل: فلم سمى الله ما كانوا يفعلونه من المكاء والتصدية صلاة وليس منها؟ قيل: عن ذلك جوابان أحدهما: أنهم كانوا يقيمون الصفير والتصفيق مقام الدعاء والتسبيح فجعلوا ذلك صلاة وإن لم تكن في حكم الشرع صلاة. والثاني: أنهم يعملون كعمل الصلاة.

  {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ٣٥} قيل: العذاب هو قتلهم يوم بدر بالسيف ويجوز أن يقال لهم في الآخرة فذوقوا العذاب روي أن النبي ÷ كان إذا صلى في المسجد قام من كفار بني عبد الدار بن قصي رجلان عن يمين النبي ÷ يصفران كما يصفر المكاء وهو طائر ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا عليه صلاته وقراءته.

  قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} في النفقة قولان أحدهما: أنها نفقة قريش في قتال رسول الله ÷ يوم بدر، والثاني: أنه أبو سفيان بن حرب استأجر يوم أحد ألفين من الأحابش من كنانة وفي ذلك يقول كعب بن زهير:

  وجئنا إلى موج من البحر وسطه ... أحابيش منهم حاسر ومقنع