البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة براءة مدنية

صفحة 316 - الجزء 1

  بكسر الألف يعني أنهم كفرة لا إيمان لهم.

  قوله تعالى: {... وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} والوليجة فيها وجهان أحدهما: الخيانة والثاني البطانة، واشتقاقها من ولج في الشيء إذا دخل فيه قال طرفة:

  فإن القوافي يتلجن موالجا ... تضايق عنه أن تولجه الإبر

  {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ} يعني المسجد الحرام، وعمارتهم بالزيارة والدخول فيه وهم كفار {شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} يعني أن ما يقولونه ويفعلونه دليل على كفرهم كما يدل عليه إقرارهم وشهادتهم فكان ما ذكرناه هو شهادتهم على أنفسهم.

  ثم قال: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} ومعنى ذلك أن عمارة المساجد بالزيارة والصلاة فيها تكون ممن آمن بالله واليوم الآخر وكذلك لا يرغب في بنائها إلا المؤمنون دون الكافرين {فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ١٨} فيه وجهان أحدهما أنه قال ذلك لهم تحذيراً من فعل ما يخالف هدايتهم، والثاني: أن كل عسى من الله واجبة وإن كان من غيره ترجياً.

  قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} يعني بعمارته السدانة والقيام به {كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} وهذه الآية نزلت في شأن أمير المؤمنين والعباس لما افتخر العباس بسقاية الحاج فبين الله تعالى فضل أمير المؤمنين # عليه بالإيمان والجهاد وأنهما أفضل من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام.