البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة هود

صفحة 355 - الجزء 1

  {وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ٢٩} فيه وجهان أحدهما تجهلون في استرذالكم لهم وسؤالكم طردهم، والثاني تجهلون أنهم خير منكم.

  قوله تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} وهذا جواب لقومه وذلك أن نوحاً # قال لهم ذلك عند ما قالوا: ما نراك إلا بشراً مثلنا وقولهم: وما نرى لكم علينا من فضل قال الله تعالى: {وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ} فأعطيكم منها على إيمانكم {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} فأخبركم بما في أنفسكم {وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ} فأباين جنسكم {وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} والازدراء الاحتقار يقال: ازدرى فلان بفلان إذا صغره وزرى عليه إذا عابه واحتقره والازدراء افتعال منه قول الشاعر:

  يباعده الصديق وتزدريه ... حليلته وينهره الصغير

  وقوله: {لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا} أي ليس احتقاركم لهم يبطل أجرهم أو ينقص ثوابهم وكذلك لستم لقلوبكم في الدنيا تزادون على أجوركم {اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ} يعني في أنه يجازيهم عليه ويؤاخذهم به {إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ٣١} يعني إن قلت هذا الذي تقدم ذكره.

  قوله تعالى: {... أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} يعنون به النبي ÷ افترى افتعل من الفرية وهو الكذب يعني افتعله من قبل نفسه ما أخبر به عن نوح # وقومه {قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي} والإجرام الذنوب المكتسبة قال الشاعر:

  رهين عشيرة ورهين جرم ... بما جرمت يدي وجنى لساني