البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة هود

صفحة 356 - الجزء 1

  ومعناه فعلي عقاب إجرامي وأنا بريء مما تجرمون أي وعليكم من عقاب جرمكم في تكذيبي ما أنه بريء منه.

  قوله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ ءَامَنَ} يحقق الله سبحانه وتعالى استدامة كفرهم تحقيقاً لنزول الوعيد بهم {فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ٣٦} أي فلا تحزن ومنه قول الشاعر:

  وكم من خليل أو حميم رأيته ... فلم أبتئس والرزء منه جليل

  والابتئاس حزن في الاستكانة وأصله من البؤس، فلا تحزن لهلاكهم.

  قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} أي حيث نراك ونحفظك حفظ من يراك فعبر عن الحفظ بالرؤية {وَوَحْيِنَا} أي بأمرنا لك أن تصنعها {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ٣٧} فنهى عن المراجعة فيهم واحتمل نهيه أمرين أحدهما ليصرفه عن سؤال ما لا يجاب إليه والثاني: التصرف عنه مآثم الممالات الطغام.

  قوله تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} وروينا أن نوحاً # مكث مائة سنة يغرس الشجر ويقطعها ومائة سنة يصنعها وكان طول السفينة أربعمائة ذراع وعلوها ثلاثين وعرضها خمسين ذراعاً وكان ثلاثة أبيات {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} كانوا يرونه يبني في البر سفينة فيسخرون، معناه إن تسخروا منا اليوم عند بناء السفينة فإنا نسخر منكم غداً عند الغرق كما تسخرون اليوم بنا.

  فإن قيل: فلم جاز أن يقول فإنا نسخر منكم مع قبح السخرية؟ قيل: معنى الكلام إن تستجهلونا فإنا نستجهلكم كما تستجهلون.

  قوله تعالى: {.. حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} وكان أمر الله نوحاً أنه إذا رأى الماء على وجه الأرض ركب هو ومن معه السفينة وكان فورانه