البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة يوسف #

صفحة 398 - الجزء 1

  أحدهما أنه أخره دفعاً عن التعجيل ووعد من بعد فلذلك قيل طلب الحوائج إلى الشباب أسهل من المشائخ ألم تر إلى قول يوسف: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ} وإلى قول يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} وإنما أخر الاستغفار انتظاراً لوقت الإجابة وتوقعاً لزمان الطلب.

  قوله تعالى: {فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ ءَاوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ} قيل إن يوسف # خرج من مصر وركب معه أهلها فلما دنى ويعقوب متكئ على ابنه يهوذا يمشي فلما نظر إلى الخيل والرجل قال يا يهوذا: هذا فرعون؟ قال: لا هذا ابنك يوسف فقال يعقوب: السلام عليك يا مذهب الأحزان عني؛ فلما أجابه يوسف قال: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ ٩٩} أي آمنين من فرعون ومن القحط والجدب ومعنى قوله: {ادْخُلُوا مِصْرَ} أي استوطنوه، وروينا أنهم دخلوا مصر ثلاثة وتسعون إنساناً من رجل وامرأة، وخرجوا مع موسى # وهم ستمائة وسبعون ألفاً.

  قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} يعني على السرير وفي أبويه قولان أحدهما: أبوه وخالته وكان يعقوب قد تزوجها بعد أمه وكانت أمه قد ماتت فسميت الخالة أماً.

  والثاني: انه أبوه وأمه وكانت باقية إلى دخول مصر {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا} وقيل إن السجود كان تحية من قبلنا وتحيتنا اليوم السلام {وَقَالَ يَاأَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا} وروينا أنه كان بين رؤياه وتأويلها أربعون سنة، وقيل ستة وثلاثون سنة، وقيل اثنان وعشرون سنة، وروي ثماني عشر سنة.

  فإن قيل: فإن كان رؤيا الأنبياء صادقة فهلا وثق بها يعقوب وتسلى ولم قال: {لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا} وما يضر