البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة يوسف #

صفحة 399 - الجزء 1

  الكيد مع سابق العلم بالنصر وما يؤول إليه الأمر قيل عن هذا جوابان أحدهما أنه رآها وهو صبي فجاز أن يخالف رؤيا الأنبياء المرسلين والثاني أنه حزن لطول المدة في معاناة البلوى وخاف كيد الأخوة في تعجيل الأذى {وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}.

  فإن قيل: فلم اقتصر من ذكر ما بلي به على شكر إخراجه من السجن دون الجب وكانت حاله فيه أخطر؟ قيل: عن هذا ثلاثة أجوبة أحدها: أنه كان في السجن مع الخوف معرة لم تكن في الجب فكان ما في نفسه بلواه أعظم فلذلك خصه بالذكر والشكر.

  والثاني أنه قال: شكراً لله تعالى على نقله من البلوى إلى النعماء وهو أنما انتقل إلى الملك من السجن لا من الجب فصار أحق بالذكر والشكر إذ صار بخروجه من السجن ملكاً وبخروجه من الجب عبداً.

  والثالث: أنه لما عفا عن إخوته بقوله: {لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} أعرض عن ذكر الجب لما فيه من التعريض بالتوبيخ وقوله: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ} لأنهم كانوا بادية بأرض كنعان أهل مواشي {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} أي حرش وأفسد {إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ} في لطفه ليوسف بإخراجه من السجن وجاء بأهله من البدو.

  قوله ø: {رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} أي الملك ومن زائدة وعلمتني من تأويل الأحاديث يعني الأخبار عن حوادث الزمان بأهله {فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي خالقهما {أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} أي مولاي وناصري {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} يعني مخلصاًلك الطاعة.

  وروينا أن البشير لما أتى يعقوب قال له: على أي دين خلفت يوسف؟