البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الحجر مكية

صفحة 426 - الجزء 1

  بالوجوه يرى بعضهم بعضاً فلا يصرف أحد نفسه عن صاحبه تحابباً وتواصلاً، ويجوز متقابلين بالمحبة لا يتفاضلون فيها ولا يختلفون.

  قوله تعالى: {... قَالُوا لَا تَوْجَلْ} أي لا تخف، ومنه قول معن بن أوس:

  لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تعدو المنية أول

  {إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ٥٣} أي عالم في كبره وهو إسحاق لقوله: {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ}⁣[هود: ٧١]، والغلام الولد فأجابهم عن هذه البشرى مستبعداً لها متعجباً منها: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ} أي علو السن عند الإياس من الولد {فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ٥٤} وإنما قال ذلك استفهاماً لهم هل بشروه بأمر الله تعالى ليكون الشكر {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ} أي بالصدق إشارة منهم إلى أنه من الله تعالى {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ ٥٥} أي من الآيسين.

  قوله تعالى: {إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ ٥٨ إِلَّا ءَالَ لُوطٍ} وآل لوط من كان على شريعته وسنته من أهل بيته استثناهم الله تعالى من المجرمين المأمور بهلاكهم فخرجوا من الاستثناء منهم.

  ثم قال: {إِلَّا امْرَأَتَهُ} فكانت مستثناة من آل لوط ولاحقة بالمجرمين لأن كل استثناء يعود إلى ما تقدمه فيخالفه في حكمه فإن عاد إلى إثبات كان الاستثناء نفياً، وإن عاد إلى نفي كان الاستثناء إثباتاً فصارت امرأة لوط ملحقة بالمجرمين المهلكين.

  ومثال هذا في الإقرار أن تقول: له علي عشرة إلا سبعة إلا أربعة فيكون عليه سبعة لأن الأربعة استثناء يرجع إلى السبعة التي قبلها فصار الباقي منها ثلاثة وتصير الثلاثة الباقية هي الاستثناء الراجع إلى العشرة فيبقى منها