البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة بني إسرائيل

صفحة 453 - الجزء 1

  الإسراف والبطر وهو أن يتجاوز الإنسان قدره {إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ٣٧} يعني إنك لن تخرق الأرض من تحت قدمك ولن تبلغ الجبال لتطاولك.

  قوله تعالى: {... وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} وليس يصح التسبيح إلا من الحيوان المكلف فأما سائر الخلق من الجمادات والبهائم فتسبيحها ما يظهر فيها من لطيف الصنعة وبديع القدرة التي يعجز الخلق عن مثله فيوجب ذلك على من رآه تسبيح الله وتقديسه، شعراً:

  يلقى بتسبيحه من حيث ما انصرفت ... ويستقر حشا الرأي بإرعاد

  كأنما خلقت في قشر لؤلؤة ... فكل أكنافها وجه بمرصاد

  قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْءَانَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا ٤٥} يعني أنهم لإعراضك عن قربك كمن بينك وبينهم حجاب في عدم رؤيتك وقيل إنها نزلت في قوم كانوا يؤذونه في الليل إذا قرأ فحال الله بينه وبين أذائهم.

  قوله تعالى: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوَى} هذه نزلت في جماعة من قريش منهم الوليد بن المغيرة كانوا يتناجون بما ينفرون به الناس عن اتباع رسول الله ÷ وكانت نجواهم أنه مجنون وأنه ساحر وأنه يأتي بأساطير الأولين {إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا ٤٧} يعني قد سحر فاختلط عليه أمره ويقولون ذلك تنفيراً عنه، ويجوز أن يكون المعنى أن له سحرا أنه يأكل ويشرب فهو مثلكم وليس بملك قال لبيد:

  فإن سئلنا فيم نحن فإننا ... عصافير في هذا الأمام المسحر