البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة القصص

صفحة 596 - الجزء 2

  بعدها إلى قوله: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} لإيمانهم بالكتاب الأول وإيمانهم بالكتاب الآخر، ومعناه بما صبروا على طاعته واجتناب معصيته واحتمال الأذى من قومهم على الإيمان.

  {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ} يعني يدفعون بالمعروف الذي هو الحسنة المنكر الذي هو السيئة وتحملهم جهل الجاهل وسفاهة السفيه ويجيرهم من شر الأشرار ومكيدة الكفار {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٥٤} يعني بإيتاء الزكاة وإنفاق الرجل في الجهاد وعلى الأهل والأولاد.

  قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} وهذه الآية في كل من سمع أو رأى المنكر فلم يقدر على دفعه وإنكاره وأن يعرض عنه ولا يقرب منه، وقيل: إنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم فيعرضون عنهم، وإذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوه من نعت النبي ÷ وصفته أعرضوا عنه وذكروا تبديله.

  وقيل: إن هذه الآية نزلت في قوم لم يكونوا يهوداً ولا نصارى وكانوا على دين أنبياء الله تعالى وكانوا ينتظرون بعثة رسول الله ÷ فلما سمعوا بظهوره بمكة قصدوه فعرض عليهم القرآن وأسلموا فكان أبو جهل ومن تبعه من كفار قريش يلقونهم فيقولون لهم: إنكم قوم منظور إليكم تبعتم غلاماً قد كرهه قومه وهم أعلم به منكم فإذا قالوا لهم ذلك أعرضوا عنهم وقالوا: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} يعني لنا ديننا ولكم دينكم ولنا أحكامنا ولكم أحكامكم {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ٥٥} يعني لا نجاريهم على ما يقولون ولا نتبعهم فيما يفعلون.

  قوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} يعني من أحببت هدايته