سورة الأحزاب مدنية
  وصلحت سريرتها كخديجة بنت خويلد أم الأئمة $ وكأم سلمة ابنة أبي أمية ®، وأما من عَنَد منهن عن الحق وشقت عصا الإسلام فليست بأمهات المؤمنين ولا هن أهل كرامة عند رب العالمين فإن الله تعالى قطع نسب الآباء عن الأبناء بالعصيان فكيف لا يقطع سبب الزوجية بالكفران لأن حكم البنوة آكد وسبيله أمهد وحبله أوثق ورحمته أعلق من زوجة أجنبية بعيدة قال الله سبحانه تأديباً لنبيه نوح أقر ببنوة ابنه فقال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود: ٤٥]، فقال خير القائلين: {يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هود: ٤٦]، فنفى أن يكون من أهله لما كان من عصيانه وجهله.
  {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} في هذه الآية تأويلان أحدهما: أنها ناسخة للتوارث بالهجرة والمنسوخة في سورة الأنفال قوله: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا}[الأنفال: ٧٢]، فكان التوارث بين المسلمين بالهجرة حتى نسخ بقوله: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}.
  والثاني: أن ذلك ناسخ للتوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين وذلك لما بلغنا عن أمير المؤمنين علي # أنه قال: نزلت فينا خاصة يا من صحت هجرته لأنا لما قدمنا المدينة ولا أموال لنا بها فوجدنا الأنصار نعم الأخوان فتوارثوا هم والمسلمون إلى أن نزل قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وهو القرآن.
  وقوله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ} المراد أن التوارث بالأسباب أولى من التوارث بمؤاخاة المؤمنين وهجرة المهاجرين ما لم يختلف بالمناسبين دين فإن اختلف بينهما دين فلا توارث بينهما لقول النبي ÷: «لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين» {إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى