سورة سبأ مكية
  ومغفرة ذنوبهم ولم يجمع ذلك لجميع خلقه فلذلك صاروا مخصوصين من بينهم.
  قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا} يعني عن أمره واتباع رسله {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} والعرم الذي له عرامة وشدة ويقال إنه كان ماء أحمر أرسله في السد فشقه وهدمه {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} ولم يكن ما بدلوا به من جنتيهم حسن وإنما سماها بذلك على وجه المقابلة كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}[البقرة: ١٩٤]، وليس الثاني اعتداء وإنما سمي اعتداء على اتساع الكلام وسمى شجر القوم من خير الشجر إذ صيره من شر الشجر عقوبة بأعمالهم.
  قال الله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ} بكفرهم {بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ١٧}.
  {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ} والأكل البرير ثمر الخمط والخمط كل شجر له شوك وقيل إنه كل نبت فيه مرار لا يمكن أكله.
  {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا} والقرى المبارك فيها قرى بيت المقدس والبركة في الشجر والثمر والماء، قرئ طاهرة وكانت القرى متصلة ينظر بعضها إلى بعض، وكانت بين مأرب والشام {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ} يعني وقدرنا فيها المقيل والمبيت {سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا ءَامِنِينَ ١٨} يعني آمنين من الجوع والظمأ وبعد المراحل لأنها مقدرة بالقرب وزوال الخوف وكانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهر في أمان لا يحرك بعضهم ولو لقي الرجل قاتل أبيه لم يحركه.
  قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} قالوا لأنهم ملوا النعم فملتهم النعم وأحبوا أن تكون ثمارهم أبعد مما هي لتكون أشهى في نفوسهم وأحلى في عيونهم وذلك من فرط البطر {وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}