سورة يس مكية
  وفي كلامهم ثلاثة تأويلات أحدها: أن تظهر منها سمة تقوم مقامها كما قال الشاعر:
  وقالت له العينان سمعاً وطاعة ... حدرتا كالدر لما يثقب
  والثاني: أن الموكلين بها يشهدون. والثالث: أن الله سبحانه خلق فيها كلاماً وذلك لما روينا عن سيدنا رسول الله ÷ أنه قال: «يقال لأركانه انطقي فتنطق بعلمه ثم يخلي بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل».
  فإن قيل: فلم قال: {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} فجعل ما كان من اليد كلاماً وما كان من الرجل؟ قيل: لأن اليد مباشرة لعمله والرجل حاضرة على غير شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار ولذلك عبر عما صدر عن الأيدي بالقول وما صدر عن الأرجل بالشهادة.
  وروينا عن سيدنا رسول الله ÷ أنه قال: «أول عضو من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل اليسرى» فاحتمل أن يكون تقديم الفخذ بالكلام على سائر الأعضاء لأن معاصيه يدركها بحواسه التي هي في الشطر الأعلى من جسده وأقرب أعضاء الشطر منها الفخذ فجاز لقربه فيها أن يتقدم في الشهادة، وتقدمت اليسرى لأن الشهادة ميامن الأعضاء أقوى منها في سائرها فلذلك تقدمت اليسرى على اليمنى.
  قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ} يعني أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرون عقوبة لهم، ويحتمل أن يكون التأويل لأعمينا قلوبهم لما أصروا على الذنوب فضلوا عن الحق فلم يهتدوا إليه والمطموس مأخوذ من طمس