البرهان في تفسير القرآن،

الإمام أبو الفتح الديلمي (المتوفى: 444 هـ)

سورة الجن مكية

صفحة 837 - الجزء 2

  قوله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} وهذا إخبار عن الجن فمنهم المؤمن ومنهم الكافر، والقاسط الجائر لأنه عدل عن الحق والمقسط العادل ومثله الترب والمترب والترب الفقير والمترب الغني.

  قوله تعالى: {.. وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} والمراد به الاستقامة على الطاعة والهدى {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ١٦} ينبت زروعهم ويكثر مالهم وفي الماء نعمة عظيمة لأن فيه حياة النفوس وخصب الزروع والغدق الواسع الكثير قال كثير:

  وهبت لسعدى ماءه ونباته ... كما كل ذي ود لمن ود واهب

  لتروى بها سعدى فيروى حميمها ... وتغدق أعداد لها ومشارب

  {لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} أي لنبتليهم فيه ونختبرهم {وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ١٧} يعني العذاب الذي لا راحة فيه.

  {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} يعني أنها بيوت الله للصلاة {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ١٨} أي لا تدعو معه غيره فإن اليهود والنصارى في بيعهم وكنائسهم أضافوا إلى عبادة الله عبادة غيره والسنة إذا دخل الإنسان المسجد أن يقول: لا إله إلا الله لا أدعو مع الله أحدا.

  قوله تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ} يعني محمد ÷ قام إلى الصلاة يدعو ربه فيها وقام أصحابه فيها خلفه مؤتمين فعجبت الجن من طواعية أصحابه له {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ١٩} يعني جماعة بعضها فوق بعض، ومنه: اللبد لاجتماع الصوف بعضه على بعض قال ذو الرمة:

  ومتنها آجن قفر موارده ... حصن كواكبه عن عرمض لبد