المواضع التي يجب فيها تأخير الخبر
  فقوله «بنونا» خبر مقدم، و «بنو أبنائنا» مبتدأ مؤخر، لأن المراد الحكم على بنى أبنائهم بأنهم كبنيهم، وليس المراد الحكم على بنيهم بأنهم كبنى أبنائهم.
  والثانى: أن يكون الخبر فعلا رافعا لضمير المبتدأ مستترا، نحو «زيد قام» فقام وفاعله المقدر(١): خبر عن زيد، ولا يجوز التقديم؛ فلا يقال «قام زيد» على أن يكون «زيد» مبتدأ مؤخرا، والفعل خبرا مقدما، بل يكون «زيد» فاعلا لقام؛ فلا يكون من باب المبتدأ والخبر، بل من باب الفعل والفاعل؛ فلو كان الفعل رافعا لظاهر - نحو «زيد قام أبوه» - جاز التقديم؛ فتقول
= فكان ينبغى أن يستشهد بما أنشده فى شرح التسهيل من قول حسان بن ثابت:
قبيلة ألأم الأحياء أكرمها ... وأغدر النّاس بالجيران وافيها
إذ المراد الإخبار عن أكرمها بأنه ألأم الأحياء، وعن وافيها بأنه أغدر الناس، لا العكس» اه كلام ابن هشام.
والجواب عنه من وجهين؛ أحدهما: أن التشبيه المقلوب من الأمور النادرة، والحمل على ما يندر وقوعه لمجرد الاحتمال مما لا يجوز أن يصار إليه، وإلا فإن كل كلام يمكن تطريق احتمالات بعيدة إليه؛ فلا تكون ثمة طمأنينة على إفادة غرض المتكلم بالعبارة، وثانيهما: أن ما ذكره فى بيت حسان من أن الغرض الإخبار عن أكرم هذه القبيلة بأنه ألأم الأحياء وعن أو فى هذه القبيلة بأنه أغدر الأحياء، هذا نفسه يجرى فى بيت الشاهد فيقال: إن غرض المتكلم الإخبار عن أبناء أبنائهم بأنهم يشبهون أبناءهم، وليس الغرض أن يخبر عن بنيهم بأنهم يشبهون بنى أبنائهم، فلما صح أن يكون غرض المتكلم معينا للمبتدأ صح الاستشهاد ببيت الشاهد.
ومثل بيت الشاهد قول الكميت بن زيد الأسدى:
كلام النّبيّين الهداة كلامنا ... وأفعال أهل الجاهليّة نفعل
فإن الغرض تشبيه كلامهم بكلام النبيين الهداة، لا العكس.
(١) أراد بالمقدر ههنا المستتر فيه.