الحرف الثالث ان وبيان اختلاف النحاة في أعماله
  وقال آخر:
  ٨٢ - إن المرء ميتا بانقضاء حياته ... ولكن بأن يبغى عليه فيخذلا
= وهذا الشاهد يرد على الفراء وأكثر البصريين الذين ذهبوا إلى أن «إن» النافية لا تعمل شيئا، لا فى المبتدأ ولا فى الخبر، ووجه الرد من البيت ورود الخبر اسما مفردا منصوبا بالفتحة الظاهرة، ولا ناصب له فى الكلام إلا «إن»، وليس لهم أن يزعموا أن النصب بها شاذ؛ لوروده فى الشعر كثيرا، ولوروده فى النثر فى نحو قول أهل العالية «إن أحد خيرا من أحد إلا بالعافية»، وقد قرأ بهذه اللغة سعيد بن جبير - ¥! - فى الآية الكريمة التى تلاها الشارح.
ويؤخذ من هذا الشاهد - زيادة على ذلك - أن «إن» النافية مثل «ما» فى أنها لا تختص بالنكرات كما تختص بها «لا»: فإن الاسم فى البيت ضمير، وقد نص الشارح على هذا، ومثل له.
ويؤخذ منه أيضا أن انتقاض النفى بعد الخبر بإلا لا يقدح فى العمل؛ لأنه استثنى بقوله «إلا على أضعف ... إلخ».
٨٢ - وهذا البيت أيضا من الشواهد التى لا يعلم قائلها.
المعنى: ليس المرء ميتا بانقضاء حياته، وإنما يموت إذا بغى عليه باغ فلم يجد عونا له، ولا نصيرا يأخذ بيده، وينتصف له ممن ظلمه، يريد أن الموت الحقيقى ليس شيئا بالقياس إلى الموت الأدبى.
الإعراب: «إن» نافية «المرء» اسمها «ميتا» خبرها «بانقضاء» جار ومجرور متعلق بقوله «ميتا» وانقضاء مضاف، وحياة من «حياته» مضاف إليه، وحياة مضاف والضمير مضاف إليه «ولكن» حرف استدراك «بأن» الباء جارة، وأن مصدرية «يبغى» فعل مضارع مبنى للمجهول منصوب بأن، وعلامة نصبه فتحة مقدرة على الألف منع من ظهورها التعذر «عليه» جار ومجرور نائب عن الفاعل ليبغى، وأن وما دخلت عليه فى تأويل مصدر مجرور بالباء، أى بالبغى عليه، والجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير «ولكن يموت بالبغى عليه» وقوله «فيخذلا» الفاء