كتاب الرد على المجبرة القدرية
  تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ١٩}[المزمل]، وعن قوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف: ٢٩]، أَمَنْ شاء أن يفعل خيراً فعله؟ أم ليس هو عندكم كما قال الله؟
  فإن قالوا: ليس هو كما قال الله - كفروا.
  وإن قالوا: هو كما قال الله - رجعوا إلى الحق وقالوا على الله سبحانه بالصدق، وأقروا أن العباد ممكنون من العمل، وأنهم يفعلون ما شاءوا بما جعل الله فيهم من الاستطاعة التي ركبها فيهم. فإن قالوا: ليس هو(١) كذلك - ردوا كتاب الله وكذبوه، ومن فعل ذلك فقد كفر.
  ومما يُسألون عنه من محكم كتاب الله أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨}[الأنعام]، أفتقولون: إنهم صدقوا في قولهم إن الله لم يشأ إيمانهم؟
  فإن قالوا: صدقوا - كذَّبوا الله في قوله وكفروا بالله.
  وإن قالوا: لا، بل كذبوا على الله في قوله وقد شاء منهم الإيمان ودعاهم إليه ولم يشاء منهم الشرك - رجعوا عن قولهم، وصاروا إلى القول بالحق.
  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}[الزخرف: ٢٠]، فيقال لهم: أليس قد أخبر سبحانه أن قوماً قالوا: لو شاء الرحمن ما عبدنا غيره؟
  فإذا قالوا: نعم. يقال لهم: أليس قد قال الله: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ٢٠}[الزخرف]، والخرص هو(٢) الكذب، فما تقولون في ذلك؟
(١) في (هـ): هذا.
(٢) في (أ، ب، هـ): فهو.