كتاب الرد على المجبرة القدرية
  وقضى بها عليهم؛ إذ أثبتوا أن العبد مذموم على فعله لا على قضاء ربه.
  وإن قالوا: بل ذم نفسه؛ إذ هو القاضي على المدسِّي بالتدسية، فهو الفاعل بالعبد الحامل له على التدسية، لا أن العبد حمل نفسه - كفروا بقولهم، ونسبوا إلى الله الذم لنفسه على فعله لعباده.
  ومما يُسألون عنه: أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله سبحانه: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء: ٧٩]، فيقال لهم: قد نجد الله سبحانه أخبرنا أن السيئات أفعال العباد لا من فعله أفتقولون إنه كما قال الله سبحانه أم لا؟
  فإن قالوا: بل هو كما قال الله - خرجوا من الجبر وتركوا قولهم بالباطل.
  وإن قالوا: هو على غير قول الله - كفروا بالله.
  ومما يُسألون عنه: أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله ø جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[المائدة: ١٠٣]، أفتقولون فيما فعلوه إن الله جعل ذلك وقضى به وبفعله على من فعله من مشركي قريش؟ فقد صح لنا أن أول من فعل ذلك قصي(١) بن كلاب.
  فإن قالوا: إن الله جعله وقضى به وأدخله فيه - فقد صدَّقوا قول قريش إن الله قضى بذلك وفعله بهم، وأكذبوا قول الله؛ لأن الله قد نفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنه لم يقض به، وأكذبهم فيما قالوا به عليه من ذلك وفيه حين يقول: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ}، والقدرية تقول: هو جعل(٢) الله وقضاؤه،
(١) هو الخامس من آباء النبي ÷، اسمه زيد، وقيل: يزيد، وسمي قصياً لأنه تقصى بالشام، ساد قومه وولي البيت وأمر مكة، فكان أول بني كعب أصاب ملكاً ... إلخ. (بتصرف كبير من روضة الألباب/ مخطوط).
(٢) في (ب، ج): فعل.