مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب الرد على المجبرة القدرية

صفحة 269 - الجزء 1

  ولولا أن الله قضى به ما فعلته قريش ولا أطاقته، أَقَوْلُ الله أصدق عند من عرف الله أم قول قريش القدرية؟ بل قول الله أصدق، وقول من سواه⁣(⁣١) باطل.

  ومما يُسألون عنه مما لا يستطيعون رده من كتاب الله: قول الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}⁣[آل عمران: ١٥٥]، فيقال لمن زعم أنه لا يقدر عَبْدٌ على فعل إلا بعد قضاء الله به عليه وإدخاله إياه فيه بالقضاء اللازم: أما يجد الله سبحانه يخبر أن توليهم عن النبي ÷ كان من استزلال الشيطان، وأنه منهم ومنه، وأنتم تزعمون أنه من الله، وأنه قضى به عليهم وبالتولي، ما تقولون: أَقَوْلُ اللهِ أَصْدَقُ أم قولكم؟

  فإن زعموا أن قول الله أصدق - رجعوا عن قولهم وصاروا إلى العدل.

  وإن قالوا: إن قولهم أصدق - فقد كفروا بالله وكذبوا على الله؛ لأن ربنا قد ذكر أن ذلك من عدو الله الشيطان، والقدرية تزعم أنه من الرحمن، وأن الشيطان منه بريء.

  ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: أخبرونا عن قول الله سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}⁣[البقرة: ١٠٩]، أفتقولون: إن هذا الحسد من عند الله قضى به على الكفار أن يحسدوا المؤمنين على الإسلام؟ أم حسداً من عند أنفسهم يعاقبون عليه؟

  فإن قالوا: هو من عند الله قضى به عليهم - برأوا الكفار من الذنب المذموم وجعلوه لله دونهم، وقد قال الله خلاف ذلك، فقد كذّبوا الله في قوله وكفروا به.

  وإن قالوا: هو من عند أنفسهم ومنهم، لا من الله، كما قال الله - خرجوا من الباطل إلى الحق، ورجعوا إلى العدل.


(١) في (هـ) بدل من سواه: قريش.