مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب الرد على المجبرة القدرية

صفحة 275 - الجزء 1

  {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ٢١٦}⁣[الشعراء]، أتقولون: إن الله ø أمر نبيه أن يتبرأ مما يتبرأ الله منه، أم تقولون: إن الله أمره أن يتبرأ مما لم يتبرأ منه؟

  فإن قالوا: بل أمره أن يتبرأ مما تبرأ منه - فقد صدقوا وإلى الحق رجعوا وقالوا: إن الله لم يقض بما برئ منه، ولم يُدخل فيما نهى عنه.

  وإن قالوا: إن الله أمره أن يتبرأ مما لم يتبرأ هو منه - فقد زعموا أن الله أمر نبيه بمخالفته، وبأن يتبرأ [هو منه، ويتبرأ⁣(⁣١)] مما تولى هو ، وهذا فأكفر الكفر بالله، وأبين الشرك به، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه فيما يحكي عن أهل النار: {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}⁣[الأعراف: ٣٨]، أتقولون: إن الله سبحانه الذي أضلهم، وإن أهل النار ظلموا هؤلاء الذين ادعوا عليهم، وإن الله حكى باطلاً من قولهم، وإنه مضل لهؤلاء المعذبين دون من ذكروا؟ أم تقولون كما قال الله سبحانه وحكى: إن الكافرين بعضهم أضل بعضاً؟

  فإن قالوا: بل الله أضلهم لا هؤلاء - كفروا، وردوا ما حكى الله من الحق.

  وإن قالوا: بل هؤلاء أضلوهم دون الله، فإن⁣(⁣٢) الله لم يضل عباده عن طاعته - صدقوا وآمنوا ورجعوا إلى الحق.

  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ٣٠}⁣[المائدة]، فيقال لهم: خبرونا آلله سبحانه طوّع له ذلك وقضاه عليه، أم نفسه كما قال الله؟

  فإن قالوا: بل نفسه طوعت له ذلك، ولم يقضه الله عليه، ولم يدخله فيه - فقد أصابوا وتركوا قولهم وما كانوا عليه من كفرهم.

  وإن قالوا: بل الله طوّع له ذلك بقضائه عليه وإشقائه له به - فقد خالفوا الله


(١) بدل ما بين المعقوفين في (ب، هـ): مما لم يتبرأ منه.

(٢) في (ب، ج)، هـ): وإن.