كتاب الرد على المجبرة القدرية
  أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ٢٩}[فصلت]، فيقال للمجبرة: قد نجد أهل العذاب من الكفار يقولون يوم القيامة ما تسمعون، وينسبون ما كان من سبب إغوائهم وإضلالهم إلى الجن والإنس، ويبرِّؤون الله سبحانه في ذلك اليوم من فعلهم، وأنتم تزعمون أن الله هو الذي أدخلهم في الضلال دون من زعم(١) أهل الضلال، أفتقولون كما يقولون؟ أم تقولون لهم: كذبتم لم يضلوكم؟
  فإن قالوا كما قال الله أصابوا، وخرجوا من الكفر.
  وإن قالوا: بل الله أضلهم دون من ذكروا من الجن والإنس كفروا وخالفوا قول الله.
  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ٧١}[آل عمران]، فيقال لهم: خبرونا من لبَّس الحق بالباطل، وخلط عليهم أمرهم، وأخرجهم من هداهم ورشدهم، أنفسهم أم الله؟ فقد نجد الله ﷻ يقول: ويذكر أن ذلك منهم، فما قولكم [أنتم(٢)]؟
  فإن قالوا: هو من الكفار وليس هو من الله - فقد أصابوا ورجعوا إلى الحق.
  وإن قالوا: هو من الله بقضاء وقدر، ولولا القضاء والقدر(٣) لم يدخلوا في ذلك ولم يلبسوا الحق بالباطل - فقد كذبوا قول الله وصدقوا قول الجاهلية، وهذا هو الشرك بالله، بل قول الله الحق المصدَّق، وقولهم الكذب المكذَّب.
  ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول آدم صلى الله عليه: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}[الأعراف: ٢٣]، أفتقولون: إن آدم الذي ظلم نفسه بالخطيئة وأساء إليها بإدخالها في المعصية كما قال صلى الله عليه؟ أم تقولون: إن الله أدخله في
(١) في (ب، هـ): دون زعم أهل. وفي (ج): من زعم من أهل. وكأنها الصواب.
(٢) ساقط من (ب، هـ).
(٣) في (ب، هـ): قضاء الله وقدره.