مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب الرد على المجبرة القدرية

صفحة 278 - الجزء 1

  المعصية وأخرجه بالقضاء من الطاعة وظلمه بذلك؟ وإن آدم وحواء لم يظلما أنفسهما؟

  فإن قالوا: بل الله الذي أدخلهما في المعصية بقضائه⁣(⁣١) عليهما - فقد كذبوا قول آدم وما حكى الله عنه، وفي ذلك الأمر العظيم والجرأة على الله ø وعلى آدم صلى الله عليه.

  وإن قالوا: بل صدق آدم - فقد رجعوا إلى العدل، وتركوا القول بالجبر وأسلموا.

  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى}⁣[فصلت: ١٧]، يريد: آثروا الضلال والغي والهوى على ما إليه دعوا وبه أمروا من الهدى، أفتقولون: إنه كما قال الله، وإنهم آثروا العمى على ما إليه دعوا من الهدى؟ أم تقولون: إنهم لم يستحبوا، ولم يؤثروا العمى على الهدى، وإنهم أُدخِلوا في الهوى، وأُخرجوا من الهدى بالقضاء من الله الغالب لكل أحد الذي لا غالب له؟

  فإن قالوا: بل هم الذين استحبوه، ودخلوا في الهوى من أنفسهم، وخرجوا من الهدى - فقد آمنوا وقالوا بقول الله في ثمود.

  وإن قالوا: بل الله أخرجهم من الهدى، وأدخلهم في الهوى - فقد كذبوا قول الله، وكفروا به وضلوا ضلالاً بعيداً.

  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ٢٣}⁣[النجم]، فأخبر سبحانه أن الهدى من الله، وزعمت القدرية أن الضلال بأمر الله، وإذا ثبت ذلك فالهدى من رأيهم لا من رب العالمين؛ لأن الهدى والضلال ضدان مختلفان متباينان، لا يجتمعان لجامعهما في حالة، ولا يفعلهما فاعل،


(١) في (ب، هـ): بقضائها.