مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

كتاب الرد على المجبرة القدرية

صفحة 279 - الجزء 1

  والقدرية تقول: إن الهدى لم يأت العاصين الضالين من رب العالمين، والله يقول: قد أتاهم الهدى من قِبَله، وحل لديهم من عنده، فتركوه ولم يفعلوه وخالفوه ورفضوه؛ فأي القولين أصدق وأحق بأن يقبل؟ أقول الله أم قولهم؟ بل قول الرحمن الصدق والحق، وقولهم الباطل والمحال والفسق.

  ومما يُسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه فيما حكى عن أهل جهنم من القول حين يقول: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ١٠٥ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦}⁣[المؤمنون]، فذكر إقرارهم على أنفسهم بأن الفسق والمعاصي كانت منهم، ونفاها عن نفسه أن يكون قضى بها عليهم، بل قال واحتج في ذلك عليهم بقوله: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ ١٠٥} فأخبر أن الأمر بالطاعة لهم، ونهيه إياهم عن المعصية كان في حياتهم منه إليهم، فأبوا واتبعوا الهوى وتركوا ما به أمرهم ربهم من اتباع الهدى، ولو كان ذلك من الله نزل بهم لقالوا: ربنا غلب علينا قضاؤك، ولم يقولوا: {غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا}.

  فإن قالت المجبرة: إن قضاء الله الذي منعهم من الطاعة، وغلبهم على المعصية - فقد كذبوا قول الله.

  وإن قالوا: بل هو كما قال المعذَّبون وحكاه الله عنهم - فقد تابوا وآمنوا ورجعوا إلى الحق والعدل. والمعذبون مقرون بالحق على أنفسهم، والمجبرة ترمي به الله وتلزمه إياه، فتعالى عن ذلك علواً كبيراً.

  ومما يُسألون عنه قول الله سبحانه: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ١٢}⁣[الليل]، ولم يقل: [إن⁣(⁣١)] منا الضلالة والردى، فيقال لهم: أتقولون⁣(⁣٢) إنه كما قال إن منه الهدى الذي ذكره الله، ولم يذكر ضده؟ أفتقولون: إن ما ذكره عن نفسه فهو منه، وما لم


(١) زيادة من (أ، ب، هـ).

(٢) في (ب، هـ): أفتقولون.