[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  فالسؤال لازم لهم والحجة عليهم، وإن كان منه فكيف(١)] يسألهم عن فعله؟ هو سبحانه أعلم بما يفعل بهم منهم بأنفسهم.
  انظر إلى تبيان ذلك كيف يقول: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ٤ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ٥ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ٦}[الكهف]، أفَتَرى الله سبحانه وتقدست أسماؤه قضى وأمر وشاء وأراد أن يقول الجاهلون إنه اتخذ ولداً ثم قال: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ}؟ فكيف تكون كبيرة وهي قضاؤه وأمره؟ ثم قال: {إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا ٥} فكيف يقضي عليهم سبحانه بالكذب أو يكذب نفسه؟ تعالى عن إكذاب نفسه وظلم عباده، فهو يتبرأ منه وينسبه إلى عباده.
  ثم قال لنبيه # عندما عظم إشراكهم عنده: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ ..... إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} فلا تفعل بنفسك ذلك، فإنا قادرون على جبرهم وقسرهم على الإيمان.
  ثم قال: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا}[الكهف: ٢٩]، فقال مفوضاً إليهم: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} أفتراه قال هذا القول وقد منع الكافر(٢) من الدخول في الإيمان وحال بين الفريقين وبين المشيئة والاختيار لأنفسهم، ثم قال ساخراً منهم مستهزئاً بهم: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}؟ معاذ الله ما كان ربي بظلام للعبيد، لكن مكنهم وأعطاهم من القوة والاستطاعة ما مكّنهم به من الإيمان والكفر، ورغّبهم وحذّرهم ومكنهم وفوضهم ثم قال حينئذ: من شاء الكفر فقد جعلت السبيل إليه، ومن شاء
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٢) في (ب، ج): الكافرين.