مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 302 - الجزء 1

  الإيمان فقد جعلت له الطريق [إليه⁣(⁣١)]، ثم أعلمهم أن الكفر ظلم لأنفسهم وأنه قد أعد للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها، زيادة لهم في الوعيد على معاصيه.

  ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ٣٠}⁣[الكهف]، فأخبر أنه لا يضيع أجرهم إذا عملوا حسناً؛ ترغيباً منه [أيضاً⁣(⁣٢)] لهم بالوعد على طاعته وترك معصيته، ولو كان قضاه عليهم ما قال: عملوا؛ لأنهم مجبرون على ذلك الحسن، ومن جبر على شيء فغير محمود فيه، ولو كان ذلك كذلك لم يقل: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ٣٠} كيف يكونون أحسنوا عملاً وهو المحسن بهم والحاتم عليهم، ثم ما أقبح ما أسند أهل هذا القول إلى الله سبحانه.

  ثم قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}⁣[النور: ٢١]، فأخبر سبحانه أن الفحشاء والمنكر من الشيطان، وتبرأ منهما ونسبهما إلى غيره، ووعد من اتبعه العذاب، فالله يبرئ نفسه من كل ظلم وفحشاء ومنكر وباطل وإضلال، والجاهلون يلزمونه ذلك.

  وقال: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ٤٣}⁣[الفرقان]، كل هذا يخبر عنهم بالقدرة على المعصية والفعل لها، وأن ذلك ليس منه ولا أراده؛ لأنه أكرم من أن ينهى عن شيء وهو يريده أو يأمر بشيء وهو يريد غيره أو يحمل العباد عليه، وكل ما نهى الله عنه فليس منه، وكيف يكون منه ما نهى عنه؟ هذه صفة اللعابين، تعالى الله عنها علواً كبيراً.

  وقال مخبراً ومُخيِّراً: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ٨٩ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ


(١) زيادة من (ب، ج، هـ).

(٢) زيادة من (ب، ج، هـ).