[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]
  تَعْمَلُونَ ٩٠}[النمل]، فأخبر سبحانه أنه يجزيهم بفعلهم في الحسنة والسيئة لا بفعله بهم وقضائه عليهم، وأن ذلك منهم وفيهم، ألا ترى كيف يقول: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٩٠} أي: لم يظلمكم ولم يجزكم إلا بعملكم لا بغيره؛ توفيقاً منه لهم، وتبرياً من الظلم إليهم، فلو كان قضى ذلك عليهم لما كانت عليهم حجة ولا تبرأ سبحانه من فعله ونسبه إليهم؛ إذ كان ذلك أكبر الظلم لهم تبرأ الله عن ذلك، ولم ينزهوه عنه فقد ظلموا أنفسهم.
  ثم قال أيضاً: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ٨٤}[القصص]، وهذا أيضاً القول فيه كالقول في الذي قبله.
  ثم قال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ٤}[العنكبوت]، يقول: أم حسب الذين يعملون المعاصي أنهم يغلبون ويسبقون إلى العمل بها، ولو شئنا ما سبقونا إليها ولا فاتونا بها، وكل هذا يُعْلِم أنه بريء من أفعال العباد وأنها منهم بغير أمر له إلا بما فوض إليهم، ومكَّنهم وخيَّرهم.
  ثم قال لا شريك له: {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٦}[العنكبوت]، وقال: {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ٤٤}[الروم]، فانظر كيف تبرأ في جميع الحالات من أعمال العباد، يخبر أنها منهم لا منه، وأنه يجزيهم بفعلهم وعملهم لا بقضائه ولا بفعله(١)، ولا شيء كان منه مُدخِلاً لهم في شيء من هذه الأعمال.
  وقال في قصة لقمان صلى الله عليه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ١٣}[لقمان]، أفَتَرى الله سبحانه استعظم الشرك وهو منه وقد قضاه وقدره وحتم به على فاعليه
(١) في (ب، ج، هـ): فعله.