مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 304 - الجزء 1

  واستعظمه منهم وهو قضاه عليهم وحتمه في رقابهم وأدخلهم فيه، يا سبحان الله ما أقبح هذا من القول والصفة في بني آدم، فكيف في الحكم⁣(⁣١) العدل؟!

  وقال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ٣٧}⁣[المدثر]، أفَتَراه لم يجعل فيهم مقدرة على التقدم ولا على التأخر وهو يقول: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ٣٧

  ثم قال: {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ٣١}⁣[محمد]، وقال: {لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ١٤}⁣[يونس]، فلو كان الأمر على ما يقول الجاهلون ما كان إليهم تقدم ولا تأخر ولا احتاجوا إلى بلوى ولا لينظر عملهم، فكان بكل ما يدخلهم فيه⁣(⁣٢) عالماً أنهم لا يقدرون على غيره.

  وأي مشيئة لهم حين يقول: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ ٣٧}؟ وكيف لهم بالتقدم والتأخر وقد منعهم من ذلك، وحال - بقضائه وحكمه عليهم - بينهم وبين ما أمرهم به من التقدم والتأخر؟

  ومعنى: {نَنْظُرَ} أي: نحكم عليكم بما يكون من خبركم⁣(⁣٣).

  وكتاب الله كله على ما ذكرت من ثواب الله لعباده وعقابه لهم كل: {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ١٧}⁣[السجدة: ١٧]، و {بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٧}⁣[فصلت]، و {بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ٢٨}⁣[فصلت]، {بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ١١٢}⁣[النحل]، لم يقل ø في شيء منه: بقضاي عليكم، ولا بمشيئتي ولا بإرادتي ولا بقدرتي فيكم، ولا بإدخالي لكم في الطاعة، ولا بإخراجي لكم من المعصية.

  كل هذا بين أن ثوابه وعقابه على عملهم، والكتاب كما قلنا يصدق بعضه بعضاً، ليس من كتاب الله شيء ينقض شيئاً؛ لأنه من حكيم عليم، ولولا ذلك


(١) في (ب): الحكيم.

(٢) (فيه) ساقط من (ب، ج، هـ).

(٣) في (ب، ج): تخيركم. وفي (هـ): ثم نخبركم.