مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

[ما يستدل به أهل العدل على أهل الجبر]

صفحة 305 - الجزء 1

  لكان فيه الاختلاف كما قال سبحانه: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ٨٢}⁣[النساء].

  ثم قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ٩ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠}⁣[الشمس]، فكيف يقضي بالفواحش ثم يقول: {قَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ١٠}؟ أفتراه خيب نفسه؟! تعلى عن ذلك علواً كبيراً.

  ثم قالوا: {قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ٦١}⁣[ص]، تعالى عن أن يقول هذا لنفسه، ولكن قدمه شياطين الإنس والجن، ألا ترى إلى قوله: {رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا ٦٧}⁣[الأحزاب]، اعترافاً منهم بذنوبهم وأن عملهم وما نزل بهم من العقوبة كان بطاعتهم لسادتهم وكبرائهم، ولم يقولوا وقد احتاجوا إلى الحجة لعظم⁣(⁣١) ما نزل بهم: ربنا أطعناك واتبعنا قضاءك وأمرك وما قدرت لنا، ولو كان ذلك ما تركوا قوله لما لهم⁣(⁣٢) فيه من الحجة على الله سبحانه.

  والسبيل فهو⁣(⁣٣) سبيل القصد والخير، ألا ترى كيف يقول: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ٣}⁣[الإنسان]، يقول: دللناه على سبيل الخير، فإن شكر فذلك واجب عليه ولنفسه يعمل ويمهد، وإن كفر بما قلنا به فذلك راجع ضرره عليه، وإن الله غني حميد عن شكره، وإنما ثواب شكره راجع عليه ونافع له.

  وقال سبحانه: {رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ ٢٩}⁣[فصلت]، أفترى الله سبحانه أراد بهذا القول نفسه أن كان في قولهم هو المضل لعباده؟ سبحانه وتعالى عما يقول الجاهلون علواً كبيراً، ما أفحش ما يسندون إلى الله.


(١) في (هـ): لعظيم.

(٢) في (ب، هـ): هم.

(٣) في (ب، هـ): فهي.