مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي (ع)،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

[الإيمان الثابت والبرآءة من الفساق]

صفحة 162 - الجزء 1

  فإنهم سيقولون لك أَتَبْرَأُ مما كان يعبدُ هؤلاء الذين من أهل القبلة إذا أدخلهم اللّه تعالى النار؟ فقل: إني لا أتبرأ من الذي كانوا يعبدونه، ولكني أَتَبَرَّأُ من عملهم الذي أدخلهم اللّه تعالى به النار.

  وإنما نزلت (قل يا أيها الكافرون) في أصحاب عبادة الأوثان، في اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فنهى اللّه محمداً ÷ أن يعبدها، وأمره أن يعبد اللّه وحده ولا يشرك به شيئاً.

  وقال إبراهيم # لأبيه وقومه: {قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ٧٥ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ الْأَقْدَمُونَ ٧٦ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ}⁣[الشعراء: ٧٥ - ٧٧] فبرئ من عبادة أوثانهم ولم يتبرأ من ربه حين عبدوه، ولكنه تولى اللّه تبارك وتعالى وأطاعه.

  وقال إبراهيم # لأبيه وقومه: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ٢٦ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي}⁣[الزخرف: ٢٦ - ٢٧]، وقال أصحاب الكهف: {وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ}⁣[الكهف: ١٦] فاعتزلوا قومهم في عبادة الأوثان، ولم يعتزلوهم في عبادة ربهم.

  وقال جل وعلا: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}⁣[يوسف: ١٠٦] فلا نَبْرأ من إيمان المشركين بالله، ونبرأ من شركهم بالله.

  فكما لم ينفع المشركين [عمل] مع شركهم بالله، كذلك لم ينفع عمل من كان من أهل القبلة يدعي الإسلام يأتي الكبائر التي نهى اللّه تبارك وتعالى عنها، فأحبط اللّه إيمانه حين لم يقبل منه عملاً، فإنه إذا عمل بالكبائر لم يكن من المتقين.

  وقال اللّه تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}⁣[القصص: ٨٣].

  وقال اللّه تعالى: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}⁣[مريم: ٦٣].