مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي (ع)،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

[الجواب على الشامي في القلة والكثرة]

صفحة 294 - الجزء 1

[الجواب على الشامي في القلة والكثرة]

  ثم أقبل على الشامي البليغ بزعمهم، فقال له:

  أما ماذكرت من أنها لم تكن جماعة قط إلا كانوا أهل حق. فإنهم ولوا معاوية بن أبي سفيان فاستأثر بفيء المسلمين، واضطر أهلَ الشام إلى خِدْمَةِ اليهود والنصارى، وأعطى الأموال مَنْ أحَبَّ من الفساق، فأَيْتمَ الأطفال، وأَرْمَلَ الأزواج، وسَلَبَ الفقراء والمساكين، ثم قَدَّموا بعده ابنه يزيد، فقتل الحسين بن فاطمة ª، وساروا إليه ببناته حُسَّراً على نُوْقٍ صِعَابٍ، وأقْتَابٍ عَارِيةٍ، كما يفعل بسبي الروم، فلوا أن اليهود أبصرت إبناً لموسى بن عمران لأكرمته وأجلته وأجلت قدره، وعرفت حقه.

  فكيف زعمت أن جماعة قَدَّموا رجلاً على أمانتهم فَقَتلَ ولدَ نبيهم ثم سكتوا على ذلك، ولم يكن عليه في ذلك منهم نكير، فكيف زعمت أن هؤلاء جماعة، أو هم على حق؟!

  والله تعالى قد مَدَح القليل إذْ كانوا على حَقٍ، ألا تسمع إلى قوله تعالى في داوود: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ}⁣[ص: ٢٤]، فقد ذَمَّ اللّه تعالى الكثير ومَدَح القليل، وقال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا}⁣[هود: ١١٦] كما ترى، وقال تعالى في قوم نوح: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}⁣[هود: ٤٠]، وقال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ}⁣[سبأ: ١٣] وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}⁣[النساء: ٦٦].

  وقال تعالى في ذَمِّ الجماعة والكثير: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}⁣[يوسف: ١٠٣]. وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ