[إنكار التفضيل سبب الاختلاف]
  تَفرّقت بنو إسرائيل بعد مُوسى أمماً، وقد قال اللّه جل ثناؤه: {وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف: ١٥٩].
  فلم يُخْرِج اللّه منهم الحقَ كلهم بَعْدَ أنْ جَعَله فيهم، ثم لم يُسمِّهم حين تفرقوا: (أمَّةً واحدة) فكذلك قال اللّه تعالى لهذه الأمة: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف: ١٨١]، وقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: ١٠٤]، فإن استَطَعْتَ أن تَلْتَمِسَ تلك الأمةَ من أمةِ محمَّد صلى اللّه عليه وآله إذا تَفَرَّقت فَافْعَل، فواللّه ما هي إلا التي استقامت على الأمر الذي تركها عليه نبيُّها ÷.
[إنكار التفضيل سبب الاختلاف]
  واعلم أنَّما أصاب الناسَ من الفتَن والاختلاف، وشُبّهت(١) عليهم الأمور إلا من قِبَل ما أذكر لك، فأحسن النَّظر في كتابي هذا، واعلم أنك لن تستشفيَ بأوَّل قولي حتى تَبْلغ آخره إن شاء اللّه.
  وذلك أنَّهم لم يروا لأهل بَيْت نبيِّهم صلى اللّه عليه فضلاً عليهم - يَعْتَرفون لهم به - في قرَابَتِهم من النَّبي ÷، ولا علماً بالكتاب ينتهون إلى شيء من قولهم فيه، فلما جاز لهم إنكار فضلهم، جاز ذلك لبعضهم على بعض.
  وَسُمِّيَ كلُّ من استقبل القبلة وقرأ القرآن - من مؤمن أو مُنافق، أو أعْرَابيّ أو مهَاجِر، أو أعجمي أو عربي - من أمة محمد صلى اللّه عليه وعلى أهل بيته وسلم، وجاز لهم - فيما بينهم إذْ لم يروا لأهل بَيْت نبيهم فضلاً عليهم - أن يتأولَ كلُّ مَنْ قرأ القرآن) برأيه، ثمَّ يقول هو ومن تابعه على رأيه: نحن أعلم الناس بالقرآن
(١) شبهت: أشكلت واختلطت.