مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي (ع)،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

[فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

صفحة 299 - الجزء 1

  شهداء - خَشْيَة الناس، ومواتاة⁣(⁣١) للظالمين، ورضىً منهم بأعمال المفسدين. فلم يؤثروا اللّه بالخشية فَسَخِط اللّه عليهم لَمَّا اشتروا بآياته ثمناً قليلاً، ومتاعاً من الدنيا زائلاً.

  والقليل عند اللّه الدنيا وما فيها من غَضَارَتِهَا⁣(⁣٢) وعيشتها ونعيمها وبهجتها؛ ذلك بأن اللّه هو عَلاَّم الغيوب، قد عَلِمَ بأن ركوبَ معصيَتِهِ، وركوب طاعَتِهِ، والمداهنة للظلمة في أمره ونهيه، إنما يلحق بالعلماء للرَّهْبة والرَّغبة من عند غير اللّه، لأنهم علماء بالله، وبكتابه، وبسُنَّة نبيه ÷.

  ولعَمْري لو لم يكن نال علماءَ الأزمنةِ من ظلمتها وأكابرها ومفسديها شدةٌ وغلظة وعداوة ما وَصَّاهم اللّه تعالى وحذّرهم، ذلك أنهم ما ينالون ما عند اللّه بالهوينا، ولا يخلدون في جنته بالشهوات.

  فكره اللّه تعالى للعلماء - المُسْتَحْفِظِين كُتُبَه وسُنَّته وأحكامه - ترك ما اسْتَحْفَظَهم، رغبةً في ثواب مَنْ دُونَه، ورهبةَ عقوبةِ غيره.

[فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

  وقد مَيَّزَكم اللّه تعالى حَقَّ تمييز، ووسَمَكم سِمَةً لا تخفى على ذي لُبّ، وذلك حين قال لكم: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}⁣[التوبة: ٧١]].

  فبدأ بفضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بفضيلة الآمرين بالمعروف والنَّاهين عن المنكر عنده، وبمنزلة القائمين بذلك من عباده.


(١) المواتاة: التقرب والتوسل.

(٢) غضارة الدنيا: النعمة والسعة والخصب. تمت قاموس.