[اصطفاء الله لأنبيائه وبقاء الحق في ذراريهم]
[اصطفاء الله لأنبيائه وبقاء الحق في ذراريهم]
  ثم افترض عليكم عبادته وعَرَّفكم نعمته وبعث إليكم أنبيائه وأنزل عليكم كتابه، فيه أمره ونهيه، وما وعدكم عليه من الجَنَّةَ من طاعته، وما حَذَّركم عليه من النار في معصيته، فقال: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال: ٤٢]، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التوبة: ١١٥].
  وكان مما بَيَّن اللّه لكم أن جعل الأنبياء بعضهم ذريةً لبعض، واصطفاهم بذلك على الناس وأكرمهم واختارهم واجتباهم إليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ٣٣ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران: ٣٣ - ٣٤]، ثم قال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}[الشورى: ١٣].
  شَرَعَ لنبيكم ÷ ما شَرَعَ لهم، وأوصاكم بما أوصاهم، ونهاكم عن التَّفَرُّق كما نهاهم.
  فبعث اللّه نوحاً وبينه وبين آدم من القرون ما شاء اللّه على دين آدم، واصطفاه كما اصطفى آدم، ثم مَنَّ اللَّه على نوح فنجاه وأهله إلا مَنْ خَالَفَه، ونجا من اتبعه من المؤمنين، وليس كلُّ من كان مع نوح في السفينة أهلَه، فقال: {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود: ٤٠].
  ثم مَنَّ على نوح وأكرمه أن جعل ذُرِيَّتَهُ هم الباقين، وليس كل الباقين ذرية نوح، ثم قال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}[الإسراء: ٣]، ثم قال: {اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ