الرسالة المدنية
  إذا نهو عن ذلك قالوا: اللّه أراد هذا، اللّه قدر هذا. فأرسلوا أنفسهم في الذنوب، ولجوا في المعاصي، فإحببتَ أن أكتب إليك ما أرى في ذلك، والذي أقول في ذلك وأرضاه: أن تقرأ القرآن وتدبره، فتنظر ما أراده اللّه، وأوجبه فتضيفه إلى اللّه، وما كرهه فتضيفه إلى صانعه.
  أرأيت قوله في كتابه: {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ}[الزمر: ٧] أرأيت قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥]، أرأيت قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}[الزخرف: ٢٠]، هذا كله قول اللّه ø وهو أصدق من قولهم.
  ثم إني أرتضي لك ألاّ تخرج العاصين من قدرة اللّه تعالى، ولا تعذرهم في معصية اللّه، ومن قال: إنه قد ملك أعماله مع اللّه فقد أشرك بالله، ومن قال: إنه قد ملكها دون اللّه تعالى فقد كفر بالله، ولكن القول الذي أرضاه في هذا الباب إتباع(١)، فإذا أطعت شكرت اللّه تعالى، وإن عصيت استغفرت اللّه تعالى، فإن اللّه تعالى قال لنبيه ÷: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد: ١٩]، وقال تبارك وتعالى: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام: ١٤٩]، وقال تبارك وتعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}[السجدة: ١٣].
  فإذا رأيت المصرّين على الذنوب فالقهم بوجه مبلس(٢)، لترضى اللّه بذلك فإنه من أذل أهل معصيته طلباً لما يرضيه أرضاه.
(١) إي إتباع لما ورد في القرآن.
(٢) الوجه المبلس: يظهر عليه الغضب والإستنكار.