كتاب الإيمان
  فسلهم حين أصلاه اللّه تعالى النار أخرجه من رحمته إلى غضبه؟
  فإنهم سيقولون: نعم.
  فقل: هل أخرجه اللّه وهو في عداوته، أو في ولايته؟
  فإن قالوا: هو في عداوته فقد صَدَقُوا. وإن قالوا: يعذبه اللّه تعالى وهو في ولايته فقد كذبوا وافتروا على اللّه الكذب؛ لأن اللّه سبحانه وتعالى قضى على نفسه أنه ولي كل مؤمن؛ وأن إبليس قال لربه: {فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ٧٩ قَالَ فَإِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ ٨٠ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ٨١ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمْ الْمُخْلَصِينَ}[ص: ٧٩ - ٨٣]، فهل من ذرية آدم أحدٌ لم يغوه إبليس إلا عباد اللّه المخلصين؟
  قل: فمن أي الفريقين هذا الذي أكل المال وسَفَكَ الدَّم الحرام؟ ممن أغواه إبليس؟ أو من عباد اللّه المخلصين؟ فإنه لا بد له أن يكون من أحد الفريقين، فإن قالوا: لا ندري من أي الفريقين. لُبِّسَ عليهم دينهم، وشكوا في قول ربهم، وعمي عليهم أمرهم الذي ينتحلون؛ لأنه إنما سَفَك الدَّم وقَطَع الرَّحم، وأكل المال بطاعته إبليس وغوايته.
  وقال اللّه تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ}[لقمان: ٣٢]، والخَتَّار: الغَدَّار. ومن غدر بميثاقه كفر، قال اللّه تعالى: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[الرعد: ٢٥]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنفال: ٢٧]، فمن خان أمانته خان اللّه ورسوله ÷.
  وتصديق ذلك أن اللّه تعالى قال: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}[آل عمران: ١٦١]، أفيأتي بالغل يوم القيامة، فيلقيه في النار،