[الرد عليهم وتكذيبهم]
  كلا ومالك يوم الدين ما هذه صفة أرحم الراحمين، من يأمر بالعدل والإحسان، وينهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال سبحانه: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦] و [وسعها هو(١)]: طاقتها. بل كلفهم أقل مما يطيقون، وأعطاهم أكثر مما يَسْتَأهلون(٢)، لم يلتمس بذلك منهم عِلَّة(٣)، ولم يغتنم منهم زَلَّة، ولم يخالف قضاءه بقضائه، ولا قَدَرَه بقدره، ولا حكمَهُ بحكمه، تعالى عما تقول المجبرة والمشبهة علواً كبيراً، إذ شبَّهوا اللّه سبحانه بالجِنِّ والإنس؛ لأن الظلم، والجهل، والفسوق، والفجور، والكفر، والسَّفَه لا تكون إلا من الجِنِّ والإنس.
  ثم مع ما قالوا على اللّه ø من الإفك والزُّور، أزْرَوْهُ(٤) بالعداوة، في أوليائه - القائلين بعدله وتوحيده، الموقنين بوعده ووعيده، المُوفِيْنَ بعهده الذي عاهدهم عليه، المستمسكين بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها - فنسبوهم إلى الكفر، ورموهم بفِرْيَة الأباطيل، وما أحسن أثر أولياء اللّه تبارك وتعالى على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم، إنهم منهم لفي جَهْد شديد؛ إن سكتوا عنهم قالوا: ناقمين، وإن ناظروهم، قالوا: مخالفين، وإنْ خالفوهم قالوا: كافرين.
  فذلك صفتهم في الأولين والآخرين، فـ {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ
(١) ما بين القوسين زيادة تفسير.
(٢) يستأهلون: يستوجبون، قال صاحب القاموس: استأهله: استوجبه، لغة جيدة، وقال في الحاشية: صرح الأزهري والزمخشري وغيرهما من أئمة التحقيق بجودة هذه اللغة، وتبعهم الصاغاني. تمت.
(٣) العلة هنا بمعنى الحاجة، ومنه قوله الشاعر:
وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول
(٤) زري عليه: عابه وعاتبه. تمت قاموس.