مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي (ع)،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

[سند الكتاب]

صفحة 219 - الجزء 1

  نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ١٨ وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}⁣[الإسراء: ١٨ - ١٩].

  وقد رأيتَ ما وقع الناس فيه من الإختلاف، تبرأوا من بعضهم، وتأولوا القرآن برأيهم على أهوائهم، واعتقدت كل فرقة منهم هوى، ثم تولوا عليه، وتأولوا القرآن على رأيهم ذلك، بخلاف ما تأوله عليه غيرهم، ثم برئ بعضهم من بعض، وكلّهم يزعم فيما يُزَيَّنُ له أنه على هدى في رأيه وتأوله، وأن مَنْ خالفه على ضلالة أو كفر أو شرك، لابُدَّ لكل أهل هوى منهم أن يقولوا بعض ذلك.

  وكل أهل هوى من أهل هذه القبلة يزعمون أنهم أولى الناس بالنبي صلى اللّه عليه وآله، وأعلمهم بالكتاب الذي جاء به، وأنهم أحق الناس بكل آية ذكر اللّه فيها صَفْوَةً أو حَبْوَةً⁣(⁣١) أو هدى لأمة محمد صلى اللّه عليه وآله، وكلهم يزعم أن من خالفهم - في رأيهم وتأويلهم - من أهل بيت نبيهم برؤا منه، وأن أهل بيت نبيهم صلى اللّه عليه وآله لن يهتدوا إلا بمتابعتهم إياهم.

  وقد عرفت أن أهل تلك الأهواء يُعرَفون وإن لم نسمهم بأسمائهم التي يُسَمَّون بها، وإن لم أصف قولهم الذي يقولون به، فكيف يستقيم لرجل فَقُهَ في الدين أن يسمي هؤلاء كلهم مؤمنين، وهم يتبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضاً أمة واحدة على هدى وصواب.

  فإن قلت: هم أمة محمد صلى اللّه عليه وأهل بيته وسلم؛ لأنهم كانوا مجتمعين في عهده، كما أمرهم اللّه ø.

  قلنا: نعم، فلما تفرقوا كما تفرق من كان قبلهم وقد نهوا عن التفرق صاروا أمماً كما كان من قبلهم حين تفرقوا بعد أن كانوا أمة واحدة، قال اللّه تبارك وتعالى:


(١) الحبوة: العطية من غير عوض.