كتاب الصفوة
  {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[آل عمران: ١٠٣]، وليس الإخوان في الدين بالذين يتبرأ بعضهم من بعض، ويقتل بعضهم بعضاً، قال اللّه تبارك وتعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: ١٠٥].
  وقد بيَّن اللّه لكم أمر من كان قبلَ أمةِ محمد ÷، بني إسرائيل كانوا أمَّة في عهد موسى صلى اللّه عليه، فَلمَّا تَفَرَّقوا سمَّاهم اللّه أمَماً، فقال تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمْ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الأعراف: ١٦٨]. بُلُوا لأنَّهم تفرقوا بعد موسى، يزعُمُون كُلُّهم أنهم مُتَّبِعون لموسى مصدقون بالتَّوراة ويَستقبلون قِبْلَة واحدة، قال اللّه تبارك وتعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ}[آل عمران: ١١٣] فَسمَّاهم اللّه أهلَ الكتاب، ثم سمى أهلَ الحقِّ منهم أمةً قائمة، ثم وصَفَها، فقال: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ١١٣ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ}[آل عمران: ١١٣ - ١١٤].
  فكُل فرقة من أهل هذه القِبْلة نصبوا أدياناً يَتَأوَّلون عليها ويتبرأون ممن خالفهم، فهم أمَّةٌ على هُدًى كانوا أم على ضَلالة، قال اللّه ﷻ: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[النحل: ١٢٠]. فسمَّاه اللّه حين كان على دين لم يكن عليه أحَدٌ غيره: أمَّةً. قال اللّه جل ثناؤه لقوم اتَّبَعوا ضلالة آبائهم: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ}[الزخرف: ٢٣].
  وكذلك تفرَّقت هذه الأمَّةُ بَعْدَ نبيها ÷، أمَماً، كما