[اصطفاء الله لأنبيائه وبقاء الحق في ذراريهم]
  أَلِيمٌ}[هود: ٤٨]، فجعل أهل بقية الحق والبركات في الأمم - التي يعتصم بها الناس بعد نوح - من ذريته، وقال اللّه تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد: ٢٦] وقال لإبراهيم #: {رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}[هود: ٧٣]. فهذه البركة التي جعلها اللّه في ذريتهما.
  وإنما أنبأكم اللّه جل ثناؤه بأنه جعل الكتابَ حيث جَعَلَ النُّبُوة، فقال لنبيكم ÷: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}[الرعد: ٤٣].
  فليس كتابٌ إلا وله أهلٌ هم أعلم الناس به، ضل منهم من ضل واهتدى من اهتدى.
  ثم بعث اللّه تبارك وتعالى إبراهيم ÷، وبينه وبين نوح صلى اللّه عليه ماشاء اللّه من القرون، فجعل اللّه بقية الحق في ذريته وشيعته، فقال: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ ٧٥ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات: ٧٥ - ٧٦]، ثم قال: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ}[الصافات: ٨٣]، ثم اصطفاه اللّه كما اصطفى نوحاً.
  ثم أكرم اللّه إبراهيم إذا جعل بقية الحق في أهله فقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ ٢٦ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِي ٢٧ وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف: ٢٦ - ٢٨]، والعقبُ: الذرية، فقال: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الزخرف: ٢٨]، فلم يرجع أحد من الأمم إلى الحق بعد إبراهيم صلى اللّه عليه - حين ضلوا بعد أنبيائهم - إلا بذرية إبراهيم، هي كلمة الحق التي جعلها اللّه باقية في عقبة.
  وقال لنبيكم: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ