مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي (ع)،

الإمام زيد بن علي (المتوفى: 122 هـ)

رسالة الحقوق

صفحة 309 - الجزء 1

  ومنزل، وجارحة، وآلة. وحقوق اللّه تعالى بعضها أكبر من بعض.

  فأكبر حقوق اللّه تعالى ما أوجب على عباده من حقه، وجعله أصلاً لحقوقه، ومِنْهُ تَفَرَّعت الحقوق. ثم ما أوجبه من قَرْنِ العبد إلى قَدَمِه على اختلاف الجوارح، فجعل للسان حقاً، وللبَصَر حقاً، ولليدين حقاً، وللقدمين حقاً، وللبطن حقاً، وللفَرْج حقاً، فبهذه الجوارح تكون الأفعال.

  وجعل تعالى للأفعال حقوقاً؛ فجعل للصلاة حقاً، وللزكاة حقاً، وللصوم حقاً، وللحج حقاً، وللجهاد حقاً، وجعل لذي الرَّحم حقاً.

  ثم إن حقوق اللّه تتشعب منها الحقوق، فاحفظوا حقوقه.

  فأما حقه الأكبر فأن يعبده العارف الْمُحْتَجُّ عليه وأن لا يشرك به شيئاً، فإذا فعل ذلك بالإخلاص واليقين فقد تضمن له أن يكفِيَه، وأن يجيره.

  ولله ø حقوق في النفوس: أن تستعمل في طاعة اللّه تعالى بالجوارح، فمن ذلك: اللسان، والسمع، والبصر، قال اللّه ø في كتابه: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}⁣[الإسراء: ٣٦].

  فاللسان: يُنَزِّهُهُ عن الزُّور، والكذب، والخَنَاء، ويقيمه بالحق لا يخاف في اللّه لومة لائم، ويحمله آداب اللّه، لموضع الحاجة إليه، وذلك أن اللسان إذا ألِفَ الزُّور اعْوَجَّ عن الحق، فذهبت المنفعة به وبقي ضرره، وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~ وسلامه: (يُعْرَف ذو اللبِّ بلسانه).

  وقال صلوات عليه: (المرء مخبوء تحت لسانه).

  وقال ~ وسلامه: (لسان ابن آدم قَلَمُ المَلَك، وريقه مداده، يا ابن آدم فَقَدِّم خيراً تغنم، أو اصمت عن السوء تسلم).

  وحق اللّه على المؤمن في سمعه: أن يحفظه من اللَّغو، والإستماع إلى جميع ما يكرهه اللّه تعالى، فإن السَّمع طريق القلب، يجب أن تَحْذَر ما يَسْلُك إلى قلبك.