بعض شبه المجبرة والرد عليها وإيضاح معاني الهدى
  ٣ - بمعنى الثواب كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ}[يونس: ٩] فالمعنى يثيبهم ربهم بسبب إيمانهم، وعلى هذا المعنى جاء قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ}[النحل: ١٠٤] أي لا يثيبهم.
  ٤ - بمعنى الحكم والتسمية كما في قول الشاعر العربي:
  ما زال يهدي قومه ويضلنا ... جهراً وينسبنا إلى الفجار
  أي يحكم على قومه بالهدى، ويسميهم مهتدين، ويحكم علينا بالضلال، ويسمينا ضُلّالاً.
  إذا عرفت ذلك، فاللازم تفسير الهدى في آيات القرآن على ضوء هذه المعاني، وقد يستقيم تفسير الهدى في آية بمعنى، وفي الآية الأخرى بمعنى آخر، وكل ذلك على حسب ما ترشد إليه القرائن وسياق الآية، ويشترط لصحة ذلك أن لا يكون هناك تناف مع عدل الله وحكمته وسعة رحمته، أو ما يناقض محكم القرآن، أو حجج العقول، وذلك أن آيات القرآن لا تتناقض، ولا يدخلها الاختلاف؛ لقوله تعالى في القرآن: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ٤٢}[فصلت] وقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختلافاً كَثِيراً ٨٢}[النساء].
  ومثل ذلك الحجج القطعية فإنها لا تتناقض، ولا يدخلها الاختلاف، فحجج العقول لا تخالف القرآن، ولا يخالف بعضها بعضاً.
  ومن هنا خاطب الله تعالى في القرآن أهل العقول، وأمرهم بالرجوع إلى عقولهم ليتعرفوا من خلالها صحة ما جاءهم به القرآن، وذلك في نحو قوله تعالى: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وهذا مما يدل دلالة ظاهرة على أن ما جاء الله تعالى به من حجج القرآن متأيد بما ركزه الله تعالى من حجج العقول، ولمعرفة ذلك يكفي التذكر لما ركزه الله في الفطرة من الحجج.