فائدة لطيفة في التعبير عن حدوث البعث بالظن
  هذا، وقد تتمكن بعض العقول السليمة من الوصول بمفردها إلى الإيمان باليوم الآخر، وقد روي عن بعض العرب أنهم كانوا يقولون:
  إنه لا بد من دار بعد هذه الدار، يجازى فيها المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته، منهم قس بن ساعدة، ومنهم الزبير بن عبد المطلب، وغيرهما كثير.
  وبعد، فإن العقل يحتم على صاحبه دفع الضرر المحتمل، فإذا كان الخبر باليوم الآخر قد اشتهر عن الأنبياء والرسل، وجاءت به الكتب، ودانت به أمم بعد أمم.
  فإن احتمال وقوعه عند العقل سيزيد ويقوى بلا شك، وحينئذ فإن العقل سيحتم على صاحبه أن يدفع الضرر المحتمل الذي سيجيء به اليوم الآخر.
  وهذه حجة عقلية يدركها العقل، وقد احتج الله تعالى بمثلها على المشركين في قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ .... الآية}[الأحقاف: ١٠].
  وعن مثل هذه الحجة يقول الشاعر الحكيم:
  قال المعلم والطبيب كلاهما ... لا يبعث الأموات قلت إليكما
  إن كان قولكما فليس بضائري ... أو كان قولي فالوبال عليكما
فائدة لطيفة في التعبير عن حدوث البعث بالظن
  هذا، ولعل السرَّ - والله أعلم - في التعبير بالظن في قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ٢٠ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ٢١}[الحاقة].
  وفي قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ٤٦}[البقرة] وما أشبه ذلك، هو أن الظن بيوم الحساب فضلاً عن العلم يستدعي كل الاهتمام والاستعداد لدفع مخاوفه الهائلة.
  وقد استدل الله تعالى على حتمية وقوع يوم الحساب بأن الحكمة تقتضي ذلك {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ١١٥ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ...}[المؤمنون].