قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الرد على دعوى تأثير المؤثرات

صفحة 19 - الجزء 1

  والمقتضي: هو الصفة الأخص، وقد جعلوا لكل ذات صفة أخص، ينتج عنها صفة أخرى، فقالوا في الجسم مثلاً: إن له صفة أخص هي الجسمية نتج عنها صفة أخرى للجسم هي التحيز، ومن ذلك الصفة الأخص التي زعموها لذات الباري تعالى فقالوا: إن لذاته صفة أخص نتج عنها له تعالى صفاته التي هي العلم والقدرة والحياة والوجود.

  نعم، لعل الذين قالوا بتأثير العلة في نحو: الأسود والأحمر إن السواد والحمرة علتان في حصول صفة للأسود والأحمر، والصفة الحاصلة هي كونه أسود وأحمر إنما قصدوا أن السواد والحمرة علتان في صحة إطلاق الصفة التي هي كونه أسود أو أحمر على ذلك الشيء، فإن كان مرادهم هو ما ذكرنا فلا خلاف حينئذ بيننا وبينهم.

  أما إن أرادوا أن السواد والحمرة نتج عنهما صفتان أخريان غير السواد والحمرة للشيء المتصف بهما فذلك قول مردود خارج عما تعرفه العقول.

  فلا شك أن كونه أسود أو (السوادية) كما يعبرون هو نفس السواد، لا صفة أخرى نتجت عن السواد كما يقولون.

الرد على دعوى تأثير المؤثرات

  أما السبب فالتأثير في الحقيقة هو لفاعله، وإنما السبب آلة لتحصيل المقصود؛ ولهذا فإن المدح والذم يتوجهان، إلى فاعل السبب، ومن هنا ذم الله تعالى أصحاب السبت حين فعلوا سبب الاصطياد الذي هو نصب شبك الصيد يوم الجمعة، فجاءت السمك يوم السبت فحبستها تلك الشبك المنصوبة، فجاء أصحاب الشبك فأخذوا السمك يوم الأحد، فذمهم الله تعالى على ذلك، ولعنهم، ومسخهم قردة وخنازير.

  وأما الشرط فعدم تأثيره واضح، وذلك أن المؤثر هو غيره، وإنما هو مصحح لتأثير المؤثر، هكذا يقولون، فلا ينبغي أن يذكر بين المؤثرات.

  أما الداعي فلا إشكال أن الفاعل هو الذي يأكل ويشرب، دون داعي الحاجة إلى الأكل والشرب، وكذلك في الأفعال الصادرة لداعي الحكمة.

  هذا، وقد ذكرنا هذا الباب تبعاً للأساس وشرحه، وإلا فلا يتعلق بذكره كبير فائدة، وذلك أن أصحاب العلل قد بادوا فليس لهم وجود، وفلسفتهم في العلل وغيرها على العموم - وإن كانت موجودة في بطون الكتب الكلامية - فلسفة ضائعة مبنية على أوهام، سرعان ما تفندها فطر العقول.

  * * * * *