أمثلة لذنوب لا يسلم منها المكلف مهما اجتهد
  فدلت هاتان الآيتان على أن الله تعالى يغفر بعض الذنوب المتعمدة بغير توبة، إما بالحسنات كما في الآية الأولى، وإما باجتناب الكبائر كما في الآية الثانية.
  قلت: الذي يظهر لي والله أعلم أن الإقدام على أي معصية تعمداً وجرأة مع العلم بأن الله قد نهى عنها، وحرمها يكون كبيرة، وفاعلها متجاوز لحدود الله، وفاسق عن أمر الله، ولا يغفرها إلا التوبة والندم والرجوع إلى الله، وذلك أن المعصية تعظم وتكبر لعظم الله وجلاله، فمن عرف الله تعالى حق معرفته تعظم عنده صغائر الذنوب، كما تعظم كبائرها، ومن هنا قال أمير المؤمنين #: (والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب(١) شعيرة ما فعلت ... إلخ).
  إذا عرفت ذلك فالمؤمن بالله لا يقدم على فعل الصغيرة متعمداً وهو يعلم أنها معصية لله؛ تعظيماً لله، وإجلالاً له، وخوفاً منه، و ... إلخ.
  أما الذي يفعلها وهو يعلم أنها معصية من غير ضرورة إلا الجرأة؛ فإنه يكون بفعلها متكبراً على الله، حيث تهاون بأمره ونهيه، وآثر على أمر الله ونهيه شهوة نفسه.
  والمتكبر على الله من أهل الوعيد العظيم {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ ٦٠}[الزمر].
أمثلة لذنوب لا يسلم منها المكلف مهما اجتهد
  إذا عرفت ذلك فاعلم أن المكلف مهما اجتهد في طاعة الله وتحرى رضاه، فإنه لضعفه لا يسلم من ذنوب كثيرة، تأتيه من بين يديه، ومن خلفه، وعن يمينه، وشماله، وسأضرب لك بعض الأمثلة لتعرف صحة ما ذكرت:
  ١ - فالصلاة فرضها الله تعالى لإقامة ذكره وتعظيمه وإكباره وإجلاله، وإحياء ذلك في القلوب، وكثيراً ما تستولي على المصلي الوساوس، فينسى ذكر الله في
(١) جلب الشعيرة - بضم الجيم -: قشرتها. تمت شرح النهج لابن أبي الحديد.