قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

القبائح الشرعية وعلة قبحها

صفحة 77 - الجزء 1

  وفي حق الله تعالى: يحسن الفعل منه تعالى لعدم النهي في حقه ، أو لكونه رباً، فيحسن منه تعالى فعل الكذب والظلم، ولا يكون قبيحاً؛ لعدم النهي أو لكونه رباً، وعلى هذ المبدأ بنوا مذهبهم حيث قالوا: إن الله تعالى هو الذي يخلق الكفر في الكافر ويقيّده به، بحيث لا يتمكن من الخروج منه، ثم يعذبه في النار خالداً فيها.

  قلنا: لو كان الأمر كما ذكرتم للزم أن لا يوثق بخبره تعالى، وللحقته تعالى صفات النقص التي هي الكذب ونحوه، وكل ذلك باطل، لا يجوز بالاتفاق، وما أدى إلى الباطل فهو باطل.

  وبعد، فإن الظلم والكذب قبيح يستقبحه العقل، وتنفر عنه الفطرة، ولا يختلف ذلك باختلاف الفاعلين، إلا أن القبيح إذا صدر من العالم بالقبيح المستغني عن فعله كان أقبح وأسمج.

القبائح الشرعية وعلة قبحها

  قُبحت القبائح الشرعية لما في فعلها من المفاسد، ومن هنا قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}⁣[الأنعام: ١٥١].

  فتحريم الزنا لما فيه من هتك الأعراض، واختلاط الأنساب، ثم لما يتسبب عن فعله من حدوث الأمراض الغريبة التي تحدثت عنها السنة، والتي ظهرت بكثرة في هذا الزمان، وتحريم الخمر لما فيه من فساد العقل الذي يترتب على فساده الكثير من الجرائم والمآثم، وتحريم الغناء لما فيه من الدعوة إلى الزنا، ومن هنا قيل: ما استنزلت العفيفة عن عفتها بمثل الغناء، ولما فيه من الغفلة عن ذكر الله التي تؤدي إلى فساد القلب، ومن هنا جاء في الرواية: «الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الشجر»⁣(⁣١).


(١) وفي رواية: ... كما ينبت الماء (البقل)، ورواية أخرى (الزرع)، انظر: البلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهي للإمام الحجة مجد الدين بن محمد المؤيدي #، مسند الإمام زيد (٢٧٨) كتاب البساط للإمام الناصر (٤٤) وانظر مصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وسنن أبي داود، والسنة لأبي بكر الخلال، والإبانة الكبرى لابن بطة، وشعب الإيمان للبيهقي، والمحلى لابن حزم ... الخ.