شبه للمجبرة والجواب عليها
  الأجل يؤخر، بخلاف الأجل المسمى فإنه لا يؤخر، وذلك أنهم لو آمنوا لما أماتهم الله بالغرق الذي استأصلهم.
  ويدل على ما قلنا أيضاً ما حكاه الله تعالى في سورة الكهف من قصة قتل الخضر للغلام، {وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً ٨٠ فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً ٨١}[الكهف]، فأفاد ذلك أن الغلام لو سلم من القتل لعاش قطعاً حتى يرهق أبوية طغياناً وكفراً.
  وفي السنة الكثير نحو: ما روي من أن صلة الرحم تزيد في العمر، وعن علي #: (وَصِلَةُ الرَّحِمِ فَإِنَّهَا مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ وَ مَنْسَأَةٌ فِي الْأَجَلِ).
شُبَهٌ للمجبرة والجواب عليها
  وقالت المجبرة: لو كان للمقتول أجل غير الذي قتل فيه لكشف ذلك عن الجهل من الله حيث أثبت للمقتول أجلاً آخر غير ما قتل فيه لم يبلغه ولم يصل إليه.
  قلنا: الله سبحانه وتعالى عالم بأن المرء سيبلغ الأجل المسمى ويصل إليه إذا سلم من القتل والخرم، وهو تعالى عالم بأن المرء سيقتل قبل أن يبلغ الأجل المسمى، وأنه لولم يقتل لبلغه، فلا يلزم ما ذكرته المجبرة إلا لو كان الله سبحانه وتعالى قد علم أن المرء سيبلغ الأجل المسمى ولا يعلم أنه سيخترم أجله بالقتل ثم يقتل، وحينئذ فيكشف القتل عن جهل الله سبحانه وتعالى، ونحن لا نقول ذلك.
  قالت المجبرة: قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}[آل عمران: ١٥٤]، فدل ذلك على أن المقتول لو لم يقتل لمات.
  قلنا: الآية إخبار من الله تعالى بما علم سبحانه من صدق نيات المؤمنين في الجهاد وطاعة الرسول ÷، وأنهم سيخرجون إلى القتل والقتال، لا يثنيهم خوف، ولا يلويهم عن ذلك إرجاف ولا تثبيط، هذا هو معنى الآية.
  ولا دليل فيها على نفي الأجل المسمى الذي لو سلموا من القتل لعاشوا حتى يبلغوه، وإنما فيها الإخبار بأنهم سيقتلون في جهادهم.