أدلة من قال: كل مجتهد في المسائل الفرعية الظنية مصيب والرد عليها
  كان كما ذكرنا، وذلك للاتفاق على أنه لا طريق إلى إثبات الأحكام فيها إلا الاجتهاد، لأن الله تعالى لم يذكر في كتابه وعلى لسان رسوله ÷ إلا الأحكام الجملية، أما الأحكام التفصيلية فإنه تعالى وكلها إلى نظر الحكام والمجتهدين.
  فإذا تحرى المجتهد فيما كان كذلك، وبالغ في النظر، ثم حكم على ضوء ذلك بحكم فإنه بلا شك قد أدى مراد الله، وأصاب فيما حكم، وقام بما كلف به، وهذا إذا بالغ في التحري والنظر، واستقصى في ذلك جهده.
أدلة من قال: كل مجتهد في المسائل الفرعية الظنية مصيب والرد عليها
  نعم، يستدل من قال إن كل مجتهد في المسائل الفرعية الظنية مصيب بأدلة:
  منها: قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}[الحشر: ٥]. وقوله تعالى في شأن الذين التبست عليهم جهة القبلة: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ١١٥}[البقرة].
  وبأن الصحابة اختلفوا في كثير من المسائل، ولم ينكر بعضهم على بعض.
  والجواب: أما الآية الأولى فالقطع وتركه، من المباح الذي يستوي فعله وتركه، فمن قطع فبإذن الله، ومن ترك فبإذن الله تعالى، فلا حرج في ذلك على من قطع ولا من ترك.
  وأما الآية الثانية: فإن الذين صلَّوا إلى غير قبلة بعد التحري قد أصابوا فيما فعلوا، وأدوا لله ما يجب عليهم، وذلك أن الله تعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها.
  وقوله في آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}، يدل على ما قلنا، وذلك أن المعنى أن الله تعالى واسع الرحمة، فهو لذلك لا يُضيّق على الذين صلَّوا إلى غير القبلة، ولا يحرمهم الأجر، وعليم بحالهم وبضعفهم؛ لذلك لم يحرج عليهم في خطئهم؛ لعلمه بعجزهم في تلك الحال.
  وأما ما روي من عدم إنكار الصحابة بعضهم على بعض في خلافاتهم فلا يدل على ما قلتم من أن الحق مع كل واحد، وذلك أن الإنكار لا يجب إلا على