والله تعالى ليس بعض خلقه
  وبعد، فإن الله تعالى تمدح باستوائه على العرش في قوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً ٥٩}[الفرقان] وفي قوله تعالى: {تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ٤ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥ له مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ٦}[طه]. وفي نحو ذلك من الآيات، فوسط سبحانه ذكر استوائه على العرش بين جملة من الممادح العظيمة، فوجب أن يكون ذلك من جملتها، بل إن (ثمّ) التي هي حرف عطف تدل عند علماء البيان في مثل هذا الموضع على أن ما بعدها أعظم مما قبلها في الثناء والمدح، فلو جعلنا الاستواء على العرش هو الجلوس أو الاستلقاء أو الاستقرار لما كان في ذلك شيء من المدح، وهذا واضح، فيجب لذلك رفض تفسير الحشوية، ورده، وعدم اعتباره.
والله تعالى ليس بعض خلقه
  قالت النصارى: إن الله ﷻ اتحد بعيسى بن مريم، فصار عيسى بذلك الاتحاد هو الله، بمعنى أن الاثنين اللذين هما الله وعيسى صارا شيئاً واحداً هو عيسى لا غير، ولعل الشبهة التي أوقعت النصارى في هذه المقالة ما رأوه في عيسى # من الآيات العظيمة حيث ولد من غير أب، وتكلم في المهد بعد ولادته، وكان يبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى بإذن الله تعالى، وكان يخبرهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
  وقالت الصوفية بنحو مقالة النصارى، فقالوا: إن الله ﷻ اتحد بالبغايا والمردان فصار إياهم.
  والجواب على النصارى والصوفية: لا يجوز ولا يصح في العقول أن يتحول القديم إلى محدَث، إذ أن عيسى # محدَث، والبغايا والمردان محدَثة، أو أن يتحول المحدَث إلى قديم.
  وغاية ما تدل عليه الآيات التي ظهرت في عيسى # أنه قد بلغ الغاية الرفيعة والدرجة القصوى من الكرامة التي يبلغها البشر وهي النبوة.