قصد السبيل إلى معرفة الجليل،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

النظر والفكر

صفحة 16 - الجزء 1

  بالجوائز العظيمة، وكذلك نسمع الذم لدعاة الحروب ومرتكبي الجرائم، ثم نصب المحاكم الجزائية على الجرائم مع أنهم بعيدون عن شرائع السماء.

  وقال المخالفون لنا في هذا: استقباح الناس لمثل ذلك واستحسانهم لضده لم يحصل عن طريق حكم العقل، وإنما نشأ من قبيل الإلف والعادة.

  قلنا في الرد عليهم: لو كان ذلك كما قلتم: إنما نشأ من قبيل الإلف والعادة لاختلفت أعراف الناس في ذلك تبعاً لاختلاف البلدان، ألا ترى أن أكل الضب وأكل الضفادع وأكل الثعابين يختلف في الحسن والقبح من بلد لآخر ومن مجتمع لآخر تبعاً لاختلاف الأعراف.

  أما حسن العدل وقبح الظلم فإن أعراف البشر أطبقت على حكم واحد في قديم الزمان وحديثه، ولو كان للعرف دخل في ذلك لاختلفت أعرافهم فيه.

  نعم، العدلية بما فيهم الزيدية يجعلون العقل أول الأدلة، ويثقون بحكمه غاية الوثوق، لا في مجال الحسن والقبح فقط، بل في معرفة الحق والباطل، وتمييز الصادق من الكاذب والصحيح من الفاسد، والقوي من الضعيف و ... إلخ.

  أما المجبرة فقد أعرضوا عن ذلك تماماً، وقالوا: لا وثوق بحكم العقل، ولا يجوز الركون إليه، وإنما تعرف الأحكام عن طريق الشرع.

  ونقول: لولا دليل العقل لما ميزنا بين دعوة النبي ÷ وبين دعوة مسيلمة، ولما عرفنا صدق النبي ÷ وكذب مسيلمة، وأحقية التوحيد وبطلان الشرك ... إلخ.

النظر والفكر

  النظر والفكر: هو إجالة الخاطر في شيء لتحصيل اعتقاد، وعن طريقه تحصل أكثر المعارف الإلهية وما يلحق بها، ولا طريق إليها سواه، فمن هنا قال أئمتنا $ وغيرهم من العدلية: إن النظر واجب عقلاً وسمعاً.

  أما وجوب النظر عقلاً فيتبين لنا من هذا المثال: لو أن رجلاً ثقة أميناً صدوقاً أتاك أيها القاري وحذرك من مهالك ومخاطر أوشكت على الوقوع فيها، وأنك إذا لم تأخذ حذرك وقعت فيها لا محالة، فلا شك أن العقل في هذه الحالة يحتم